الاستعداد لنزول الموت
قال الله تعالى: )حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوُتُ قَالَ رَبِّ ارجِعُونِ. لَعَلّى أَعمَلُ صَلِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. فَإِذَا نُفِخَ فيِ الصَّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ( إلى آخر السورة.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم غرز عوداً بين يديه وآخر إلى جنبه وآخر أبعد منه فقال:
"أتدرون ما هذا?"
قالوا: اللّه ورسوله أعلم قال:
"هذا الإنسان وهذا الأجل وهذا الأمل فيتعاطى الأمل فيلحقه الأجل دون الأمل".
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل وهو يعظه:
"اغتنم خمسا قبل خمس:
شبابك قبل هرمك
وصحتك قبل سقمك
وغناك قبل فقرك،
وفراغك قبل شغلك
وحياتك قبل موتك"
وكتب الإمام أبو حامد الغزالي إلى الشيخ أبي الفتح بن سلامة
" قرع سمعي بأنك تلتمس مني كلاماً وجيزاً في معرض النصح والوعظ وإني لست أرى نفسي أهلا له فإن الوعظ زكاة نصابها الاتعاظ فمن لا نصاب له كيف يخرج الزكاة وفاقد النور كيف يستنير به غيره ومتى يستقيم الظل والعود أعوج".
وقد أوصى الله تعالى عيسى بن مريم عليهما السلام:
يا ابن مريم عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني، وقال نبينا صلى الله عليه وسلم:
"تركت فيكم ناطقاً وصامتاً"
فالناطق هو القرآن
والصامت هو الموت
وفيهما كفاية لكل متعظ
ومن لم يتعظ بهما كيف يعظ غيره،
ولقد وعظت نفسي بهما وقبلت وصدقت قولاً وعملاً وأبت وتمردت تحقيقاً وفعلاً فقلت لنفسي
أما أنت مصدقة بان القرآن هو الواعظ الناطق
وأنه كلام اللّه المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فقالت:
بلى فقلت لها قد قال اللّه تعالى:
)مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنيَا وَزِنَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَالاَ يُبْخَسُونَ. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيسَ لَهُمْ فيِ الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ.(.
فقد وعد اللّه بالنار على إرادة الدنيا وكل ما لا يصحب بعد الموت فهو من الدنيا فهل تنزهت عن حب الدنيا وإرادتها ولو أن طبيباً نصرانياً وعدك بالموت أو بالمرض على تناول ألذ الشهوات لتحاميتها واتقيت وأنفت منها،
أفكان النصراني عندك أصدق من اللّه تعالى
فإن كان كذلك فما أكفرك
أم كان المرض أشد عليك من النار
فإن كان كذلك فما أجهلك
فصدقت فما انتفعت بل أصرت على الميل إلى العاجلة واستمرت ثم أقبلت عليها فوعظتها بالواعظ فقلت لها قد اخبر الناطق عن الصامت.
قال الله تعالى:
)قُلْ إِنَّ المَوْتَ الذَّي تَفِرُّونَ مِنْهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادةِ فَيُنَبِئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلُونَ(.
وقلت لها هبي أنك ملت إلى العاجلة ألست مصدقة بأن الموت لا محالة يأتيك قاطعاً عليك ما أنت متمسكة به وسالباً منك كل ما أنت راغبة فيه وأن كل ما هو آت قريب وأن البعيد ما ليس بآت.
وقد قال الله تعالى
)أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْناهُمْ سِنِينَ. ثُمَّ جَاءهُم مَّا كانُواْ يُوعَدُونَ. ما أَغْنَى عَنْهُم مَّا كانُوْا يُمَتَّعُوَن(.
فكأنك مخرجة بهذا الوعظ عن جميع ما أنت فيه قالت صدقت فكان منها قولاً لا يحصل وراءه ولم تجتهد قط في تزود الآخرة
كاجتهادها في تدبير العاجلة
ولم تجتهد في رضى الله تعالى
كاجتهادها في طلب رضاها وطلب رضى الخلق
ولم تستحي من الله تعالى
كما تستحي من واحد من الخلق
ولم تشمر لاستعداد الآخرة
كتشميرها في الصيف لأجل الشتاء وفي الشتاء لأجل الصيف
فإنها لا تطمئن في أوائل الشتاء ما لم تتفرغ عن جميع ما تحتاج إليه فيه مع إن الموت ربما يخطفها والشتاء لا يدركها والآخرة عندها يقين فلا يتصور أن تختطف منها، فقلت لها ألست تستعدين للصيف بمقدار طوله وتصنعين آلة الصيف بقدر صبرك على الحر قالت نعم قلت فاعصي الله بقدر صبرك على النار واستعدي للآخرة بقدر بقائك فيها فقالت هذا هو الواجب الذي لا يرخص في تركه إلا الحمق ثم استمرت على سجيتها
ووجدتني كما قال بعض الحكماء
في الناس من ينزجر نصفه ثم لا ينزجر نصفه الآخر
وما أراني إلا منهم ولما رأيتها متمادية في الطغيان غير منتفعة بمواعظ الموت والقرآن
رأيت أهم الأمور التفتيش عن سبب تماديها مع اعترافها وتصديقها فإن ذلك من العجائب العظيمة فطال تفتيشي عنه حتى وقفت على سببه وها أنا موص نفسي وإياك بالحذر منه هو الداء العظيم وهو السبب الداعي إلى الغرور والإهمال
وهو اعتقاد تراخي الموت واستبعاد هجومه على القرب فإنه لو أخبر صادق في بياض نهاره أنه يموت في ليله أو يموت إلى أسبوع أو شهر لاستقام على الصراط المستقيم وترك جميع ما هو فيه مما يظن أنه يتعاطاه لله تعالى وهو فيه مغرور فضلاً عما ليس لله تعالى فانكشف لي تحقيقاً أن من أصبح وهو يؤمل أنه يمسي أو أمسى وهو يؤمل أنه يصبح لم يخل من الفتور والتسويف ولم يقدر إلا على سير ضعيف.
فأوصيك ونفسي بما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:
"صل صلاة مودع"
ولقد أوتي جوامع الكلم وفصل الخطاب ولا ينتفع بوعظ إلا به ومن غلب على ظنه في كل صلاة أنها آخر صلاته حضر معه خوفه من الله تعالى وخشيته منه ومن لم يخطر بمخاطره قصر عمره وقرب أجله وغفل قلبه عن صلاته وسئمت نفسه فلا يزال في غفلة دائمة وفتور مستمر وتسويف متتابع إلى أن يدركه الموت ويهلكه حسرة الفوت
وأنا مقترح عليه أن يسأل الله تعالى أن يرزقني هذه الرتبة
فإني طالب لها وقاصر عنها وأوصيه أن لا يرضى من نفسه إلا بها وأن يحذر مواقع الغرور فيها ويحترز من خداع النفس فإن خداعها لا يقف عليه إلا الأكياس وقليل ما هم
والوصايا وإن كانت كثيرة والمذكورات وإن كانت كبيرة فوصية الله أكملها وأنفعها وأجمعها
وقد قال الله عزِ وجلّ في محكم القرآن
) وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الكِتابَ مِن قَبْلِكُمْ وإيَّاكُمْ أَنِ اتَّقوُا الله(.
فما أسعد من قبل وصية الله تعالى وعمل بها وادخرها لنفسه ليجدها يوم مردها ومنقلبها
وقال يزيد الرقاشي كان في بني إسرائيل جبار من الجبابرة وكان في بعض الأيام جالساً على سرير مملكته فرأى رجلا قد دخل من باب الدار ذا صورة منكرة وهيئة هائلة فاشتد خوفه من هجومه وهيئته وقدومه فوثب في وجهه وقال له:
"من أنت أيها الرجل ومن أذن لك في الدخول إلى داري فقال أذن لي صاحب الدار
وأنا الذي لا يحجبني حاجب
ولا أحتاج في دخولي على الملوك إلى إذن
ولا أرهب سياسة السلطان
ولا يفزعني جبار
ولا أحد من قبضتي فرار
فلما سمع هذا الكلام خر على وجهه
ووقعت الرعدة في جسده
وقال:
أنت ملك الموت
قال:
نعم
قال
أقسم عليك باللّه إلا أمهلتني يوماً واحداً لأتوب من ذنبي وأطلب العذر من ربي
وأرد الأموال التي أودعتها خزائني إلى أربابها
ولا أتحمل مشقة عذابها،
فقال
كيف أمهلك وأيام عمرك محسوبة
وأوقاتها مثبتة مكتوبة
فقال
أمهلني ساعة،
فقال
إن الساعات في الحساب
وقد عبرت وأنت غافل
وانقضت وأنت ذاهل
وقد استوفيت أنفاسك
ولم يبق لك نفس واحد،
فقال
من يكون عندي إذا نقلتني إلى لحدي
فقال
لا يكون عندك سوى عملك
فقال
ما لي عمل?
فقال
لا جرم يكون مقيلك في النار ومصيرك
إلى غضب الجبار"
وقبض روحه،
فخر عن سريره وعلا الضجيج من أهل مملكته
وارتفع ولو عملوا ما يصير إليه من سخط ربه لكان بكاؤهم عليه أكثر وعويلهم أوفر.
ذم طول الأمل
قال اللّه تعالى:
)أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوَاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ اْلحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَالَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (
وعن أبي بن كعب رضي اللّه عنه قال:
كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلث الليل قام فقال:
"يا أيها الناس اذكروا اللّه جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه"،
وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم :
كان يهريق الماء فيتيمم بالتراب فأقول يا رسول اللّه إن الماء منك قريب فيقول
"ما يدريني لعلي لا أبلغه"،
وعن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"يهرم ابن آدم ويشب فيه اثنتان الحرص على المال والحرص على العمر"
وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم :
"مثل ابن آدم إلى جنبه تسع وتسعون منية إن أخطأته المنايا وقع في الهرم".
وروي أن الحسن قيل له أن فلاناً مات بغتة فقال ما يعجبكم من ذلك لو لم يمت بغتة مرض بغتة ثم مات. قال الغزالي رحمة اللّه عليه
"عليك أن تجتنب طول أملك فإنه إذا طال هاج أربعة أشياء:
الأول
ترك الطاعة والكسل فيها يقول سوف أفعل والأيام بين يدي.
والثاني
ترك التوبة وتسويفها يقول سوف أتوب وفي الأيام سعة وأنا شاب وسني قليل والتوبة بين يدي وأنا قادر عليها متى رمتها وربما اغتاله الحمام على الإصرار واختطف الأجل صلاح العمل.
والثالث
الحرص على جمع الأموال والاشتغال بالدنيا عن الآخرة يقول أخاف الفقر في الكبر وربما أضعف عن الاكتساب ولا بد لي من شيء فاضل أدخره لمرض أو هرم أو فقر هذا ونحوه يحرك إلى الرغبة في الدنيا والحرص عليها والاهتمام للرزق تقول إيش آكل وإيش ألبس هذا الشتاء وهذا الصيف ومالي شيء، ولعل العمر يطول فأحتاج والحاجة مع الشيب شديدة ولا بد لي من قوت وغنية عن الناس وهذه وأمثالها تحرك إلى طلب الدنيا والرغبة فيها والجمع لها والمنع لما عندك منها.
والرابع
القسوة في القلب والنسيان للآخرة لأنك إذا أملت العيش الطويل لا تذكر الموت والقبر".
وعن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه
"أخوف ما أخاف عليكم اثنان:
طول الأمل
واتباع الهوى
ألا إن طول الأمل ينسي الآخرة
واتباع الهوى يصدك عن الحق
فإذن يصير فكرك في حديث الدنيا وأسباب العيش في صحبة الخلق نحوها فيقسو القلب
فبسبب طول الأمل تقل الطاعة
وتتأخر التوبة
وتكثر المعصية
ويشتد الحرص
ويقسو القلب
وتعظم الغفلة فتذهب والعياذ باللّه
إن لم يرحم اللّه فأي حال أسوأ من هذه وأي آفة أعظم من هذه،
وإنما رقة القلب وصفوته بذكر الموت ومفاجأته والقبر والثواب والعقاب وأحوال الآخرة".
ويروى أن ذا القرنين اجتاز بقوم لا يملكون شيئاً من أسباب الدنيا وقد حفروا قبور موتاهم على باب دورهم وهم في كل وقت يتعهدون تلك القبور وينظفونها ويزورونها ويتعبدون اللّه تعالى بينها وما لهم طعام إلا الحشيش ونبات الأرض،
فبعث إليهم ذو القرنين رجلاً يستدعي ملكهم فلم يجبه، وقال ما لي إليه حاجة فجاء ذو القرنين إليه وقال كيف حالكم فأني لا أرى شيئاً من ذهب ولا فضة ولا أرى عندكم شيئاً من نعم الدنيا فقال نعم لأن الدنيا لا يشبع منها أحد قط فقال لم حفرتم القبور على أبوابكم فقال لتكون نصب أعيننا فالنظر إليها يتجدد ذكر الموت ويبرد حب الدنيا في قلوبنا فلا نشتغل بها عن عبادة ربنا فقال كيف تأكلون الحشيش فقال لأنا نكره أن نجعل بطوننا مقابر للحيوان ولأن لذة الطعام لا تتجاوز الحلق،
ثم مد يده فأخرج منها قحف رأس آدمي فوضعه بين يديه وقال يا ذا القرنين تعلم من كان هذا،
فقال: لا،
قال:
كان صاحب هذا القحف ملكاً من ملوك الدنيا وكان يظلم رعيته ويجور على الضعفاء ويستفرغ زمانه في جمع الدنيا فقبض اللّه روحه وجعل النار مقره وهذا رأسه ثم مد يده ووضع قحفاً آخر بين يديه وقال له أتعرف هذا فقال لا فقال كان هذا ملكاً عادلاً مشفقاً على رعيته محباً لأهل مملكته فقبض اللّه روحه وأسكنه جنته ورفع درجته،
ثم وضع يده على رأس ذي القرنين وقال ترى أي هذين الرأسين يكون هذا الرأس فبكى ذو القرنين بكاء شديداً وضمه إلى صدره وقال له إن رغبت في صحبتي فإنني أسلِّم إليك وزارتي وأقاسمك مملكتي فقال هيهات ما لي
في ذلك رغبة فقال لم قال لأن جميع الخلق كلهم أعداؤك بسبب المال والمملكة وجميعهم أصدقائي بسبب القناعة والصعلكة وللّه در القائل:
دليلك أن الفقر خير من الغنـى
وإن قليل المال خير من المثرى
لقاؤك عبداً قد عصى اللّه بالغنـى
ولم تلق عبداً قد عصى اللّه بالفقر
الخميس 19 مايو 2011, 4:23 pm من طرف أبو يعقوب
» emenim&lil wony
الخميس 19 مايو 2011, 4:19 pm من طرف أبو يعقوب
» أم دميعة حسام الرسام
الخميس 19 مايو 2011, 4:15 pm من طرف أبو يعقوب
» قنوات اسلامية
الخميس 19 مايو 2011, 3:26 pm من طرف أبو يعقوب
» طبيعة خلابة
الخميس 19 مايو 2011, 2:45 am من طرف شرود
» قصيدة الحزن
الخميس 19 مايو 2011, 2:34 am من طرف شرود
» رسالة من تحت الماء
الخميس 19 مايو 2011, 2:29 am من طرف شرود
» إختاري نزار قباني
الخميس 19 مايو 2011, 2:25 am من طرف شرود
» بلا بلا محمد السالم
الإثنين 16 مايو 2011, 1:23 am من طرف أبو يعقوب